ينتابني فرح غامر، فقد كسبت الرهان مع نفسي، وجاءت المقالات والتعليقات التي تناولت بالعرض والنقد والتحليل، لنتائج الانتخابات الأخيرة وتشكيل الحكومة ومجلس الأعيان الجديدين، مطابقة تماماً لتوقعاتي ورهاناتي، حتى أنني قرأت مسبقاً جُل، إن لم نقل كل، كتبه الزملاء في معظم الأعمدة اليومية، قبل أن تخطّه أقلامهم، لا سيما المنشغلون منهم بالهم الداخلي من الرأس حتى أخمص القدمين.
لست مزهوّاً بهذا الانتصار الوهمي - من طراز الدوائر الوهمية - فالتكهنات في هذا المقام، ليست بحاجة لـ"ذكاء" خاص، فنحن، كل واحد منّا، كتّابا وسياسيين، قلنا وكتبنا شيئاً مماثلاً، في مرات سابقة، أقله أربع أو خمس مرات، لقد شعرت بأنني أقرأ مقالات قديمة، وربما لو رجع الزملاء إلى أراشيفهم، واستلوا منه مقالات في مناسبات مشابهة، واستبدلوا بعض الأسماء والتواريخ والأرقام القديمة بأخرى حديثة، لأصبحت مقالاتهم صالحة للنشر، ومن دون أن يلحظ أحد أنها مقالات "مُعاد تدويرها" أو كما يقال بلغة البيئة "Recycled" ولا شك أن بعض الزملاء، أثقله الملل، وأزعجته الخشية من التكرار، فطفق يبحث عن تصنيفات جديدة يوزّع عليها الأعضاء الجدد والقدامى في نادي النخبة السياسية، فهذا محافظ وذاك إصلاحي، وثالث إصلاحي - محافظ، ورابع ليبرالي وطني، وخامس ليبرالي اقتصادي منافق، وسادس حرس قديم وسابع حرس جديد وثامن ديجيتال وتاسع، كالماء، لا لون له ولا طعم ولا رائحة، يأتي إلى النادي أو يؤتى به، لكي تكتمل ألوان الصورة الكاملة، بأبعادها الجغرافية والديموغرافية.
مساكين نحن معشر الكتاب والمحللين والمعلقين، لا سيما المضطرون منّا للكتابة اليومية، نريد أن نلحق بركب المجتمعات التي تتوزع نخبها السياسة على تيارات حزبية وسياسية وفكرية، نريد أن نرسي قواعد للعبة السياسية أو أن نتوهمها، نريد أن ننشئ قاموساً سياسياً وطنياً، يليق بنا، لكن الظروف لا تساعدنا أبداً، فلا نحن نعرف من أين تأتي النخبة، أو يؤتى بها، ولا النخبة لها ماضْ تليد في الفكر والممارسة، في العمل العام السياسي والمدني، ولا هي "قارّة" وفقاً للتعبير المغاربي، على موقف ولون واضحين، ليصار إلى وضعها في قوالب فكرية وسياسية محددة، فمن تظنه "موسى ينقلب إلى فرعون" صبحية اليوم التالي، ومن دون أن يرف له جفن.
كل ما قيل عن المجلس النيابي الحالي، قيل في مجالس سابقة...وكل ما قيل في الحكومة الجديدة من عدم تجانس وانفصال بين الرؤية والأدوات، والإصلاح والمحافظة، والتشاؤم والرمادية والقلق، قيل في حكومات سابقة، وقيل مراراً، حتى أن استطلاعات مركز الدراسات الاستراتيجية لمناسبة تشكيل الحكومة، ومائة يوم على التشكيل وعام على الثقة، لم تعد مسلية، بعد أن فقدت القيمة المضافة المتوخّاة منها، وباتت تكرارا مملاً، أو تكرارا باعثاً على مزيد من القلق والتشاؤوم.
أراهن بأننا سنقول كلاماً مماثلا لما نقوله اليوم، بعد عام أو عامين، وأنصح الزملاء - ونفسي - بالاحتفاظ بمقالاتنا وتحليلاتنا، فقد لا نحتاج لتغيير أكثر من بضع كلمات لتكون صالحة للنشر في العام 2014.
< السابق | التالي > |
---|