الموقف المريب للدول الغربية الكبرى من التهجير القسري للمسيحيين العراقيين من الموصل على أيدي عصابات "داعش"، يعزز الظنون حول علاقة هذه الأخيرة بدوائر وأجهزة تضمر أشد الشرور لأوطاننا وشعوبنا،
وإلا كيف نفسر أن حدثاً جللاً مثل هذا يمر دون ردة فعل تذكر من قبل ما يسمى المجتمع الدولي، ممثلاً في الحكومات الغربية وفي الهيئات الدولية الخاضعة لنفوذها؟
والمريب أكثر هي الدعوة التي أطلقها الرئيس الفرنسي هولاند للمسيحيين العراقيين المهجرين من بيوتهم ومساقط رؤوسهم هم وأجدادهم من قبلهم على مدار قرون بالهجرة إلى فرنسا، ما يذكرنا بقول لسلف هولاند، الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، حين تساءل عن السبب الذي يجعل المسيحيين باقين في بلدان المشرق، وعدم هجرتهم إلى البلدان الغربية، حيث مكانهم الطبيعي هناك، وفي هذا عبث لا بحقائق الجغرافيا وحدها، وإنما التاريخ أيضاً، فالمسيحية في الأصل مشرقية.
ولا يمكن قراءة التاريخ الثقافي والسياسي العربي الحديث دون التوقف ملياً أمام الدور الريادي الذي لعبه أخوتنا المسيحيون في مجالات عدة في التأسيس لمشاريع ثقافية وفكرية وسياسية وحضارية مهمة، فهم جزء أصيل من النسيج البشري والحضاري للأمة العربية، تاريخاً ولغة وثقافة ومصيراً.
ولوجود المسيحيين بالذات، من بين الأقليات الإثنية والدينية، يعود الفضل الأكبر في التنوع الثقافي والحضاري الذي طبع ديناميات التطور الاجتماعي والسياسي في مجتمعات الشرق العربي، فقد أضفى وجودهم ومساهماتهم طابعاً حيوياً على هذه الديناميات، بوسع أي باحث رصين، متجرد من الأهواء ومن ضيق الأفق والتعصب، أن يلحظه ويلمس آثاره.
ومن وجهة نظر قومية عربية، فإن المسيحيين العرب هم مكوّن أصيل راسخ من مكونات هذه الأمة، وهم إلى ذلك كانوا وظلوا من حملة مشروع الحداثة والتنمية في مجتمعاتنا العربية التي تواجدوا فيها، في لبنان وسوريا وفلسطين والأردن والعراق ومصر وغيرها.
وكان الكثير من قادة ومناضلي الحركات والأحزاب السياسية القومية والوطنية العربية التي ناضلت من أجل الاستقلال الوطني والوحدة العربية هم من المسيحيين، الذين تجاوزوا الانحيازات المذهبية، وساهموا في صوغ وبلورة الهوية القومية والمجتمعية الجامعة.
يبدو المسيحيون العرب هدفاً للقوى المتطرفة التي تسيء للإسلام، في ما تقترفه من آثام بهدف تفريغ المنطقة منهم بما يخدم مخططات الفرز المذهبي والتطهير العرقي البغيض، ورد مجتمعاتنا إلى جاهليتها الأولى: مذاهب وقبائل وملل تتنازع في ما بينها.
*******
madanbahrain@gmail.com
< السابق | التالي > |
---|