أثار المسلسل التلفزيوني (عمر بن الخطاب) انتقاداً صارخاً من أغلبية متابعيه، وبغض النظر عن تجسيد الخلفاء في المسلسل وتحدي الثوابت المتفق عليها، فإن المسلسل نفسه على درجة من الضعف والهزال إخراجاً وتمثيلاً وديكوراً . وما كان أغنى الجهات التي صرفت عليه الملايين
أن تنفقها في مشاريع خيرية تعود بالنفع على فقراء العرب والمسلمين ممن طال صومهم قبل رمضان وسيطول بعد رمضان، علماً أن المرحلة ليست مرحلة تحدٍ للمشاعر، ولا مرحلة منافسة مع الآخرين في تحدي تجسيد الشخصيات الممنوع احتراماً تجسيدها، وإنما هي مرحلة محاولة جادة للخروج من المأزق التاريخي الذي يمر به الوطن العربي والعالم الإسلامي، والذي يزداد سوءاً وتعقيداً، وتؤدي فيه قوى داخلية وخارجية دوراً يضاعف من السوء ومن تفجير الأزمات وتعميق الخلافات بين العرب أنفسهم من جهة، وبينهم وبين محيطهم الإسلامي من جهة ثانية . في بداية المسلسل يطالع المشاهد أسماء عدد من العلماء الذين نكنّ لهم الكثير من التقدير، وهم من وافقوا على المسلسل، ربما بعد أن أرضاهم الحوار المكتوب بلغة بديعة، ولكن لا أظن أنهم جميعاً تمكنوا من مشاهدة المسلسل، ومن رؤية مجموعة الممثلين الذين قاموا بتجسيد الصحابة، وبخاصة ذلك الممثل العجوز الذي قام بتمثيل الخليفة (أبي بكر الصديق)، ولم تتغير ملامح وجهه من بداية ظهوره إلى نهاية ذلك الظهور . كما لم يلاحظوا الثياب الغريبة التي ارتداها الخلفاء والصحابة وغيرهم من (أبطال) المسلسل، وهي ثياب باتت فولكلورية، ولا تسيء إلى من تم تجسيدهم فحسب، بل تسيء إلى الإسلام وإلى قيادته الأولى التي يصعب تصورها أو استدعاؤها في الأفلام والمسرح والمسلسلات . ولا أخفي أنني واحد من كثيرين يرون أن على المشتغلين في هذا المجال أن يتجنبوا نهائياً تجسيد رجالات الماضي ويدعوهم نائمين في أحضان التاريخ، لتكتفي الأجيال بتصورهم في أخيلتها، وأن يعنى الفن بما يقدمه الحاضر من نماذج بشرية قابلة للتجسيد الواقعي أو الخيالي، بوصفها جزءاً من الحاضر، وفي إمكان المخرجين إعادة رسم حيواتهم في إطارها الصحيح وبالأزياء التي تناسب العصر بعيداً عن الأزياء الكرنفالية التي تبدو فيها الشخصيات التاريخية دائماً . ولا أدري ما الذي منع مخرج مسلسل (عُمر) من أن يستفيد من فيلم الرسالة لمخرجه الراحل مصطفى العقاد الذي حاول ونجح بعض الشيء في إظهار البطولات الإسلامية في هالة من النور من خلال ارتداء أبطال الفيلم للزي الأبيض وما يمثله من نورانية وطهارة . والمؤلم أكثر في المسلسل إظهار مكة حاضرة العرب في ذلك الحين، وكأنها كهوف تثير الرعب، ومنازلها المبنية بالطين أو بشظايا من الأحجار،ولم تكن مكة في قلب الصحراء بل محاطة بجبال من الحجارة التي كانت تسوّى ويجيد المعماريون زخرفتها، وقد كان أغنياء مكة وتجّارها على صلة دائمة بالشام ومصر واليمن خاصة، وعلى معرفة بأساليب معمارها وقصورها المشيّدة بالرخام والمرمر . لقد أساء المسلسل حقاً إلى الإسلام أولاً وإلى الصحابة ثانياً، وإلى العرب ثالثاً،وحصر ظهور العقيدة التي أضاءت مسالك الكون في مشاهد منفّرة،وأدار معظم حوارات أبطاله في أقبية مرعبة، وأظهر من تمّ تجسيدهم في المسلسل في ثياب خرافية لا تقنع عامة المشاهدين فضلاً عن خاصتهم.
< السابق | التالي > |
---|